العلماء يدرسون بركانًا قد ينفجر قريبًا – هل يشكل خطرًا عالميًا؟
تشهد الأرض تغيّرات جيولوجية مستمرة، بعضها هادئ وغير محسوس، وبعضها قد يُحدث كوارث عالمية خلال دقائق. من بين تلك الظواهر، تبرز البراكين كواحدة من أقوى وأخطر القوى الطبيعية. وفي الوقت الحالي، يراقب العلماء عن كثب أحد أكبر البراكين في العالم، وسط مؤشرات تزداد وضوحًا على قرب انفجاره.
فهل نحن على مشارف حدث جيولوجي ضخم؟ وهل يمكن لبركان واحد أن يؤثر على الكوكب بأسره؟ الإجابات قد تكون مقلقة، لكن الفهم العلمي لها ضروري.
ما هو البركان المقصود ولماذا يُقلق العلماء؟
الحديث هنا عن بركان "يلوستون" في الولايات المتحدة، الذي يُعتبر من "البراكين العظمى" أو ما يُعرف علميًا بـ "Supervolcano". هذا النوع من البراكين لا يثور بصورة اعتيادية، بل يُطلق طاقة انفجارية هائلة عند ثورانه قد تفوق آلاف أضعاف البراكين التقليدية.
تشير البيانات الجيولوجية إلى أن هذا البركان ثار آخر مرة قبل أكثر من 640 ألف سنة، مما يجعل البعض يعتقد أن "موعده" التالي قد اقترب. الزلازل الصغيرة المتكررة وارتفاع درجات الحرارة الجوفية في المنطقة تزيد من هذا القلق.
ما حجم الخطر المحتمل؟
في حال حدوث انفجار فعلي لهذا البركان، فإن التأثير لن يكون محليًا فقط. نحن نتحدث عن:
- رماد بركاني قد ينتشر لآلاف الكيلومترات.
- تعطّل في المناخ العالمي نتيجة حجب أشعة الشمس.
- انخفاض في درجات الحرارة العالمية لعدة سنوات.
- أضرار اقتصادية وصحية هائلة.
ويعتقد بعض الجيولوجيين أن تأثير هذا النوع من الانفجارات قد يوازي أو يتجاوز تأثير اصطدام كويكب بالأرض، على المدى الزمني القصير.
كيف يتم رصد مثل هذا النشاط البركاني؟
العلماء لا يعتمدون فقط على الحظ. هناك شبكة من الأقمار الصناعية، ومحطات الرصد الزلزالي، وأجهزة لقياس تشوّه القشرة الأرضية ودرجة حرارة التربة. هذه الأدوات تسمح بمراقبة أي تغيّرات غير اعتيادية في القشرة الأرضية.
حتى الآن، لم يُعلن عن حالة طوارئ، لكن مستوى النشاط الأرضي في المنطقة مرتفع بما يكفي لجعل العلماء يواصلون المراقبة الدقيقة، ويحدثون النماذج التنبؤية باستمرار.
هل سبق أن ثار بركان بهذا الحجم في التاريخ الحديث؟
لا في العصر الحديث، لكن التاريخ الجيولوجي يشهد على ثورات مدمّرة مشابهة. أشهرها:
- بركان توبا في إندونيسيا (قبل حوالي 74 ألف سنة): أدّى إلى انخفاض درجات الحرارة العالمية وتراجع في أعداد البشر.
- انفجار بركان كراكاتوا (1883): أحدث موجات تسونامي، وسُمعت انفجاراته على بعد آلاف الكيلومترات.
وبالرغم من أن بركان يلوستون لم يثر منذ قرون طويلة، إلا أن تركيبته الجيولوجية تجعله تحت المراقبة الدائمة.
هل هناك سيناريوهات متوقعة؟
العلماء لا يستطيعون تحديد موعد دقيق للانفجار – وقد لا يحدث أصلاً في القرن الحالي – ولكن السيناريوهات الموضوعة تشمل:
- انفجارات صغيرة محلية لا تؤثر عالميًا لكنها تسبب أضرارًا إقليمية.
- ثوران متوسط يؤدي إلى انتشار الرماد البركاني ويؤثر على الطيران والمناخ.
- ثوران كامل قد يُحدث تأثيرات بيئية عالمية لعدة سنوات.
السيناريو الأخير هو الأقل احتمالًا، لكنه ليس مستحيلًا، ولهذا فإن الاستعداد العلمي له ضروري.
كيف يمكن الاستعداد لمثل هذه الكوارث؟
التحضير لكارثة بركانية بهذا الحجم يتطلب جهودًا على مستوى دولي، وليس محليًا فقط. من الإجراءات المقترحة:
- تطوير أنظمة الإنذار المبكر في المناطق ذات النشاط البركاني.
- إنشاء خطط طوارئ للسكان المحليين في نطاق الخطر.
- تحصين شبكات الغذاء والماء من تأثير الرماد البركاني.
- تنسيق دولي لرصد ومشاركة البيانات الجيولوجية.
الجانب الإيجابي: العلم يتقدّم
على الرغم من القلق المشروع، إلا أن التقدّم العلمي في مجال الجيولوجيا والفيزياء الأرضية يجعلنا اليوم أكثر استعدادًا لفهم سلوك البراكين وتوقعها.
قبل عقود، لم يكن بإمكان أحد أن يرصد التغيّرات الحرارية أو الزلزالية بعمق، لكننا اليوم نملك أدوات متطورة تتيح لنا اكتشاف أي تهديد مبكرًا، مما يتيح فرصة للتدخل أو الإخلاء.
بركان يلوستون وغيره من البراكين الكبرى يذكّرنا بأن الأرض كوكب حي، وأن القوة الكامنة تحت أقدامنا ليست مجرد قصة علمية، بل واقع قد يتغير في أي لحظة.
لكن القلق لا يعني الذعر. بل يدعونا إلى المعرفة والاستعداد. فكلما زادت معلوماتنا عن هذه الظواهر، قلّت آثارها المحتملة علينا وعلى مستقبل الكوكب.